شيخ القبيلة تحت الخط أم فوقه ؟
جميعنا في هذا الكون الفسيح عبارة عن كائنات مجهرية عندما نمعن النظر في سعة الكون بما يحتويه من مجرَّات و مجموعات وكواكب و أقمار .
و كما أثبت العلماء و على رأسهم ألبرت آينشتاين صاحب النظرية النسبية ، أن الكون في حالة تزايد و اتساع دائم و مستمر ، و قد استند العالم الفيزيائي آينشتاين قـُبيل وفاته في لوس أنجلس إلى آية ٍ قرآنية :
( والسّماء بنيناها بأيد ٍ و إنّا لَمُوسِعون )
كلمة موسعون : اسْم فاعل مشتق من المصدر الثلاثي وسع ؛ و اسْم الفاعل هنا يدل على الاسْتمرارية في الشيء .
إذن و من هذه المقدمة نتفق جميعنا أن البشر كلهم سواسية المـَلـِكـْ والعامل الأمير و النجار الشيخ و الحداد و كل فرد من أفراد البشر في سائر المجتمعات و الشعوب ، كلهم سواسية و لا يوجد فرق بينهم إلا بالتقوى .
قال خادم الحرمين الشريفين أثناء توليه مقاليد الحكم : شدوا من أزري .. الخ
و ما قاله ملك الإنسانية إنما يدل على مكارم الأخلاق و نظرته الإنسانية إلى شعبه و إدراكه بأن الإنسان يخطئ و يحتاج إلى مساعدة من حوله بإبداء رأي في مشورة ما أو لفت نظر إلى عمل ما و قد انتابني شعور بالسعادة عندما سمعت سيدي خادم الحرمين الشريفين يناشد شعبه بالمؤازرة و إعانته على حمل تلك الأمانة و المسؤولية .
استحضرت هذا المثال الذي يتجانس نسبيا مع الهدف المعين الذي أنشأت هذا الموضوع لأجله .
شيخ القبيلة ، تحت الخط أم فوقه؟
هل سألنا أنفسنا ذات يوم ، من هو شيخ القبيلة ؟ و ما هي المهام التي ينبغي عليه العمل بها و ما هي حقوق الشيخ على قبيلته و ما هي حقوق القبيلة على الشيخ ؟؟
الشيخ : هو الشخص الذي تجتمع به صفات معينة منها الحكمة و الشجاعة و الصدق و الأمانة و يـُنصَّبْ في هذا المنصب بعد اتفاق و إجماع من القبيلة و تصديق رسمي من أمن الدولة ، يحرص الشيخ على أن يساير عشيرته بعدم الخروج التام عن دائرة آرائهم و يتوجب عليه أن يكون ذا إلمام بما تقتضيه مصلحة كل فرد من أفراد عشيرته و ذلك بالبحث عن ما يجمع العائلات " الخوامس " و ذلك بفرض قرارات بشكل مَرِنْ تكون متناسبة مع العادات التي سرنا عليها كما من سبقونا , و عدم الإنصات إلى كل ما يقال و أخذه بعين الاعتبار و تنفيذه و على النقيض من ذلك عدم التهاون برأي سديد اتفق عليه جمع من رجال القبيلة و أخذه بعين الامتعاض . و ذلك بأن يكون شيخ القبيلة من أولئك الذين يـُتـَّسمُون بالنظرة الشـُّمولية للأمور أجْمَعـِها , و أن يكون قادرا ً على اسْتخراج الحلول مِن بين المشكلات المُعقّدة و التي تحتاج إلى تفكير صائب و استشارة من ذوي الخبرة _ و ذوي الخبرة هم مجموعة وجهاء القبيلة و أعيانها من الرجال الذين يتميّزون بالحكمة في الرأي و المُرونة في الأسلوب و عدم تقديم حُبّ الذات على حُبّ الآخرين .
يتسائل أحدهم ؟ مَن الأفضل كمسئولٍ ناجح و شيخٍ بارع لقبيلته
1- الشيخ المتعلم
أم ؟
2- الشيخ الأمي غير المتعلم !!
أثناء طرح هذا السؤال و تداوله تذكرتُ عبارة توقفتُ عندها حين قالها أحد الشيوخ الذين يؤرخون في تاريخ قبيلة خديد : الشيخ عبد ربه بن عبيدان يرحمه الله ، حينما قال : واكب كل جيل بجيله ؛ فهذه إشارة واضحة من أبي عبيدان إلى أن الحياة لا تتوقف عند نـُقطة معيّنة , بل تتحرّك الأفكار و العقول و بتطوّر الحياة , و نظرا إلى أن الحياة تتحرك و لا تقف و تتطور بفعل الإنسان و في ظل انـْفجار الثروات المعلوماتية إلى أن أصبح كل فرد من أفراد القبائل ينتمي إلى مدرسة معينة و له فلسفة خاصة بذاته ، فبرأيي الآن أن الشيخ ذو العـِلـْم الوافر هو الأنسب للقبيلة في هذا الوقت ، بالرغم أننا ندرك أن الحياة هي أكبر مدرسة للإنسان بالتجارب و كسب الخبرات و معالجة المشكلات التي تعترض طرقاتنا و العمل على تنقيب عن طريقة نتدارك أخطائنا و نتلافى سلوكياتنا السلبية ؛ إلا أن الشيخ المتعلم و الذي تجتمع فيه الصفات التي ذكرتها أعلاه فهو الشخص القادر على استيعاب ما تحتاجه القبيلة من تطوير و تنفيذ و غيرها من حاجيات القبيلة . كما أن الشيخ يعتبر من ولاة الأمر .
قال الله عز و جل في محكم التنزيل :
( يا أيها الذين آمنو أطيعوا الله و الرسول و أولي الأمر منكم .. ) الآية ..
فإن الشيخ لهُ حق الطاعة و تقديم المشورة و معونته على حَمل ِ هذه المسؤولية من أفراد قبيلته . كما أنّ حقوق القبيلة و أفرادها على الشيخ كثيرة و من أهمها أن يكرّس الشّيخ تفكيره على أن يُراقب الله تجاه قبيلته بأن يبحث عن مصلحة كلّ فرد من أفراد قبيلته , تقديم النصيحة من قِبَل الشيخ لـ شَخص ٍ رأى بأن لديه أخطاء , و ذلك بتوجيهه إلى المسار الصحيح و الأخذ بيده حتى يتجاوز ارتكاب أخطائه . كذلك أن يبحث الشيخ عن مَا يُطَوِّر قبيلته فكريا ً و اجتماعيا ً , و عدم التفضيل أو التفريق بين أفراد القبيلة ؛ و ذلك لأن الشيخ فـوق الخط و تحته كـ رسم الكلمات على مسارات ٍ من الخطوط الورقيّــة .
ومضة : كلّ شيء ينتهي و يزول , و لا يبقى إلا الذكر . إن خيرا ً فـ خيرا ً , و إن شرّا ً فـ شرّا ً .
بقلم الأستاذ الفاضل : ياسر بن عيضة بن معلا الخديدي العتيبي
12/3/1431هـ