أخواني أحب أن أتحفكم بجزء من محاضرة ( عزاء لأهل البلاء) للشيخ عبد الله بن محمد العسكر
بعنوان (أيها المبتلى فوض أمرك إلى الله)
أيها المبتلى فوض أمرك إلى الله:
نعم أيها المكروب المحزون بث شكوك إلى واحد لا شريك له واضرع إليه بالدعاء أن يفرج همك وينفس كربك فإن من أسرار الابتلاء التي يحبها الله استخراج عبودية الدعاء من قلبك كما قال سبحانه {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام43
كم من مكروب فرج الله كربته وأجاب دعوته لأنه سبحانه ملاذ الخائفين وملجاء المكفولين المحرومين من ذا الذي دعاه فخذله؟ ومن ذا الذي فزع إليه وطرده؟
إن على المكروب أن يسلم قلبه لمولاه وأن يوقن أن لا مفر منه إلا إليه.
ومن ذا الذي يزيل الكروب إلا هو ؟ ويزيل المكروه إلا من بيده ملكوت السموات والأرضين أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؟.
تأمل معي وفقك الله كيف استجاب الله دعوات أوليائه حينما طرحوا حاجاتهم بين يديه وانظر إلى صفوة خلق الله من مسهم الضراء والبلاء فما فزعوا إلا لرب الأرض والسماء, هاهم أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم أجمعين حينما نزلت بهم المصائب ونزلت بهم المحن ضجوا عند ذلك بالدعاء لمولاهم وأناخوا مطاياهم بباب الكريم جل في علاه, فعجل لهم الإجابة وبادر لهم بالاستجابة.
هذا نبي الله يونس ابتلي ببلوا عظيمه حيث التقمه أحد حيتان البحر وابتلعه في جوفه وكان يونس في ظلمات ثلاث في ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر الصاخب بأمواجه وظلمة الليل البهيم الحالك, وسمع تسبيح الحصى وهو في قعر ذلك البحر فما كان منه عليه الصلاة والسلام في تلك الحالة إلا أن رفع يديه إلى ربه الذي يعلم به ويرى مكانه ولا يخفا ضعفه وعجزه وهو في هذه الهوة السحيقة من البحر, لكنه سبحانه وبحمده أقرب إليه من كل أحد بعلمه ورؤيته فأطلق هذا العبد الصالح وهذا النبي الكريم دعوته الشهيرة ونفثها من صدر مكروب محزون لا يملك لنفسه شيئا فقال : {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }الأنبياء87.
فإذا بهذه الدعوات تشق عباب البحر وتخترق طباق الليل وتنفذ أبراج السموات العلا لتصل في لمح البصر أو هو اقرب إلى الذي يعلم السر وأخفى، إلى الذي يفرج الكروب وينجد الملهوف والمعطوب فقال سبحانه : {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }الأنبياء88.
وهذا النبي الصالح أيوب عليه الصلاة والسلام الذي لبث في مرضه ثمانية عشرة سنه فرفضه القريب والبعيد ونبت في جسده كما يذكر الطبري رحمه الله نتب في جسده ثأليل مثل أليات الغنم ووقعت فيه حكة لا يملكها فحكها بأظفاره حتى سقطت جميع أظفاره ثم حكها بالحجارة الخشنة فلم يزل يحكها حتى نفذ لحمه وتقطع جلده إلى أن انتن ريحه وأخرجه أهل القرية فجعلوه وهو نبي الله على مزبلة من مزابل البلدة ورفضه وهجره كل الناس غير امرأته الصالحة التي كانت تختلف إليه وتصلح من شأنه وما زال صابرا لم يشكوا ولم يجزع حتى مر به مرة رجلان من قومه كانا يعرفنه فلما رأوا طول البلاء به وعظمه عليه قال احدهما للأخر: لقد أذنب أيوب ذنبا ًما أذنبه أحد من العالمين منذ ثماني عشرة سنه لم يرحمه الله؟ ولم يكشف ما به ؟ فلما سمع ذلك أيوب رق وحزن فخر ساجداً لربه وقال : اللهم بعزتك لا أرفع راسي حتى تكشف عني ربيُ {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }الأنبياء83 فسمعه الذي يسمع دبيب النمل وحركات الرمل فاستجاب له في الحال وكشف به من ضر .( )
لأنه أرحم الراحمين جل في علاه وتبارك اسمه من إله.
فإذا تكالبت عليك أخي الحبيب الهموم والأحزان وأحاطت بك الغموم فيمم وجهك للحي القيوم وبث الشكوى إليه فهو السامع لكل شكوى العالم بكل نجوى.
إذا اشتملت على اليأس القلوب*** وضاق ما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت*** وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ترى في انكشاف الضر نفعاً*** وما أجدى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث*** يمن به اللطيف المستجيب( )
اللهم فارج الهموم وكاشف الغموم وسامع النجوى ورافع البلوى يا من عز جاره وجل ثناءه وتقدست أسمائه يا غياث الملهوفين ويا رجاء المنقطعين ويا أرحم الراحمين أرزقنا الصبر على البلاء والرضاء بمر القضاء
اللهم إملاء قلوبنا أنسا بذكرك وطمئنينة بوعدك, ولا تبتلينا فتفضحنا فإنا ضعفاء محاويج وإن قدّرْتَ علينا بلاء اللهم فثبتنا وأنزل الصبر والرضاء واخلف علينا فيما أصابنا وأبدلنا خيرا ووسع لنا في أرزاقنا وأمد لنا في آجالنا على طاعتك اللهم اختم لنا هذا المجلس بمغفرة الذنوب ورفعت الدرجات واحشرنا جميعا ًفي زمرة سيد الأولين والآخرين واجمعنا ووالدينا وأزواجنا وذريتنا في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى لله وسلم على عبده نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .