الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
كلمة غريبة "الانكسار".. وكيف ننكسر لله عز وجل؟! إن انكسارك لله هو أعظم القربات وأعلى العبادات لأنه يذكر الإنسان بأنه عبد لله.. عبد فقير ضعيف لا يملك من أمره شئ.. فإن أقل حقوق العبودية أن ينكسر العبد لمولاه إذا أخطأ، وأن يتذلل إذا طلب، وأن يرجوه إذا خاف.
ابن القيم يوضحها لك :
لما عصى آدم -عليه السلام- ربه وأكل من الشجرة وانكشفت سوءته فظل يجري في الجنة لا يدري ما يفعل، فقال له الله تبارك وتعالى: "أفرار مني يا آدم.."
فقال: لا يا رب ولكن حياء منك..
فيقول ابن القيم:
فناداه الله تبارك وتعالى بلسان الحال:
"يا آدم لا تجزع من قولي لك (اخرج منها) فلك خلقتها، ولكن انزل إلى الأرض، وذل نفسك من أجلي، وانكسر في حبي، حتى إذا زاد شوقك إليها وإليً تعال لأدخلك إياها مرة أخرى.. يا آدم كنت تتمنى أن أعصمك؟"
فقال: نعم يا رب.
فقال: "يا آدم إذا عصمتك وعصمت بنيك فعلى من أجود برحمتى؟ وعلى من أتفضل بكرمي؟ وعلى من أتودد ولمن أغفر؟ يا آدم ذنب تذل به أحب إلينا من طاعة ترائي بها علينا.."
( ذنب تذل به أحب إلينا من طاعة ترائي بها علينا..)
اكتبها على ورقة واجعلها نصب عينيك دائماً.. تذكرها وتذلل إلى ربك.
إمام ينكسر
صلى الإمام أبو حنيفة العشاء يوماً في المسجد، فلما قضيت الصلاة وخرج الناس من المسجد، يقول إمام المسجد: فنظرت لأبي حنيفة فإذا هو جالس يتفكر، فقلت: أقوم حتى لا أزعجه وأشغله عما هو فيه، فخرجت وتركت القنديل وليس فيه إلا زيت قليل..
فجئت وقد طلع الفجر وهو لا يزال في مكانه يقول: يا من يجزي بمثقال ذرة الخير خيراً، ويا من يجزي بمثقال ذرة الشر شراً، أجر النعمان عبدك من النار وأدخله في سعة رحمتك..
وقائد يتذلل
القائد صلاح الدين الأيوبي الذي حرر المسجد الأقصى بعد عشرات السنين من الاحتلال، كان يقوم بحق العبودية في كل أمره وكان رحمه الله خاشع القلب غزير الدمع، كان إذا سمع القرآن خشع قلبه ودمعت عيناه، وكان مواظباً على صلاة السنة وقيام الليل.
وكان إذا سمع أن العدو هاجم المسلمين يخر للأرض يتذلل إلى الله ويدعو قائلاً:
إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك ولم يبق إلا التذلل إليك والاعتصام بحبلك والاعتماد على فضلك أنت حسبي ونعم الوكيل. يقول القاضي بهاء الدين عنه:
لقد رأيته ساجداً ودموعه تتقطر على شيبته ثم سجادته ولا أسمع ما يقول، ولم ينقض ذلك اليوم إلا وأتته أخبار النصر على الأعداء.
إن فعلت.. فتذكر
إن وقفت يوماً في منصبك تأمر وتنهي.. فتذكر أن ربك أعلى منك وأعلم وإن شاء سلبك بعد العطاء.. فعندها ستنكسر.
إن أتيت حسنة وأعجبت منها نفسك ودخل السرور قلبك.. فتذكر أن من وهبك إياها الله ولولاه ما قمت بها.. فعندها ستنكسر
إن تناولك الناس يوماً بالمدح والثناء.. والخير والإطراء.. وأعجبوا بعملك.. فتذكر ذنوبك وما تفعله بعيداً عن أعينهم ثم ستر الله عليك.. فعندها ستنكسر.
إن وقفت يوماً تصلي فسرح عقلك، وكثر التحرك بجسمك، وانشغلت بالتفكير في الدنيا.. فتذكر أنك ستقف أمام ملك الملوك وحيداً عرياناً.. فعندها ستنكسر.
هل جربت يوماً مناجاة ربك؟
هل جلست يوماً وناجيت ربك وتذللت إليه؟ يقول العلماء إن المناجاة هي أن تجلس مطأطأ الرأس منكسر القلب تتحدث مع ربك وتناجيه وتشكو إليه همك وغمك، وتعترف بضعفك وقوته، وعزته وذُلك، وعجزك وقدرته.. تشكو إليه استحواذ الشيطان وطغيان الدنيا والعودة للذنوب والضعف عن الخير.. تخبره بكل ما فيك وما يدور داخلك وما تريد عمله..
مناجــــاة
إلهي وخالقي وسيدي.. غرتني الدنيا ولي تزينت.. وضعفت نفسي وسولت.. وغرني سترك فعصيت بجهلي.
. فالآن من سينقذني من عذابك؟!!
وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلي عنك؟!!
اللهم إن صُغـرَ في جنب طاعتك عملي …. فقد كَـبُـرَ في جنب رجائك أملي ..
ربنا كم من نعمة أنعمتها علينا قل لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل عندها صبرنا..
فيا من قل عند نعمته شُكرنا فلم يحرمنا..
ويا من قل عند بليته صبرُنا فلم يخذلنا..
يا من رآنا على الخطايا فلم يفضحنا.. يا من رآنا على المعاصي فلم يفضحنا.. يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبداً.. يا ذا النعماءِ التي لا تحصى عدداً.. اللهم اجعلنا نخشاك كأنا نراك.. ومتعنا برؤياك.. وامنحنا هُداك.. وأسعدنا بتقواك.. واجمعنا مع نبيك ومصطفاك -صلى الله عليه وسلم-.
مــــــنـــــقــــــــول