[align=center]
محمد بن علي البيشي
الشيخ النبيل
محمد بن علي البيشي
نعم ... لقد غيب الموت أحد أبرز العلماء الربانيين, الذين عرفوا بين الناس بحب العلم, نشرا وتدريسا وإفتاء وبحثا وتحقيقا وتدقيقا, تفوق دروسه الأربعين في الأسبوع بين حديث وفقه, تفسير وسيرة, وعلوم العربية والسياسة الشرعية, ويتحمل الشيخ على كبر سنه – شارف 80 عاما – حمل التنقل بين المساجد فمن جامع الراجحي بشبرا إلى مسجد الراجحي بالربوة, ومن مسجد محمد بن إبراهيم بالدخنة إلى جامع الملك خالد بأم الحمام, ومن جامع عتيقة إلى مسجد البرغش, صبور لا يمل العلم, وقور تعلوه هيبة العلماء, يضرب للناس – عالمهم وعاميهم – مثلا مشاهدا لسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم, وطريقة السلف الصالح.
إذن ... مات الشيخ الذي: (لعب وقفز على بيوت الطين المنتشرة بالقويعية, شرب من مياه الابار الضحلة , وجلس على أطرافها يسمع الأخبار والحكايات, لبس الملابس المتواضعة في قريته الطينية, لم يلبس الغالي والنفيس, لم يفكر في شراء أثواب كل شهر او شهرين, بل كان مثل ابناء الجزيرة العربية آنذاك يفرح بالثوب والثوبين من العيد الى العيد, عاش بين الناس الذين تقاربت مستويات معيشتهم, عاش بآمالهم, وعاش بأحلامهم, وتغنى بمستقبلهم, ضحك بين النخيل, جرى مع الطيور والعصافير يداعبها وتداعبه, وجرى مع الصبية وه يلهون بين ماء الزروع وبقايا الغنم والإبل هناك, يراه الناس وهو قد ملأ الطين رجليه وساقيه النحيلتين, ويفرح بذلك الجو البهيج, فهو يعتبر ذلك شعارا للانسان الحر النبيل).
عرفت فضيلته واعظا يتخول مساجد مدينة الدمام – وانا لا زلت في نهايات المرحلة الابتدائية – فارتسمت في ذاكرتي صورة العالم يتدافع الناس للقرب منه ونيل الحظوة بالحديث إليه ومعه, ولو بافتراض سؤال لم يقع, ثم قرت عيني برؤيته واعظا ومفتيا بالمعهد العلمي مرحلة الثانوية بالدمام, وقد تحينت الفرصة للصلاة إلى جواره بعد انتهاء كلمته لانظر صلاته, واكتسب الخشوع – كما ازعم – وأقبّل الكيان الذي ملئ علما وزهدا وصبرا.
نعم ... عرفت ابن جبرين رحمه الله تعالى في دروس الفقه والعقائد, والتي لم يزل تقرير عويص مسائلها تكييفا وترجيحا, محفوظا لدى طلابه من خلاله دروسه في الدمام والرياض, ولا زلت محتفظا بكلمته الشجية الصادقة التي داعبت مسمعي, وشحذت همتي للعلم ونيل شهادة الدراسات العليا, اذ قال : (كنت ممن درس وكتب وذاكر ونسخ الكتب الكبيرة على ضوء الشمع, واليوم – ومع وجود الكهرباء إلا أن الطلاب يتضجرون).
وقبل الختام : إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب, وان لفراقك شيخنا لمحزونون, وتسليتنا في فراقك (إن في البقية خيرا).
[/align]