العفو عمن أساء إليك
ليس بالأمر السهل
فالانتقام للنفس وإذاقة الخصم نفس كأس الألم أمرٌ فيه لذة
لكن العفو عمن ظلمك -بل الإحسان إليه- (لله) فيه راحة بال ولذة حقيقية يتبعها راحة نفسية لا لذة يتبعها قلق وإظطراب كحال لذة الانتقام
و لكيلا أطيل عليك ...دع الإمام يخبرك :
تأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي حكى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم "أنه ضربه قومه حتى أدموه فجعل يسلت الدم عنه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" رواه البخاري ومسلم
كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات من الإحسان
قابل بها إساءتهم العظيمة إليه :
أحدها: عفوه عنهم
والثاني: استغفاره لهم
الثالث: اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون
الرابع: استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال اغفر لقومي كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به هذا ولدي هذا غلامي هذا صاحبي فهبه لي .
واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به :
اعلم أن لك ذنوباً بينك وبين الله تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لك ويهبها لك ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك
فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله هذه المعاملة فإن الجزاء من جنس العمل فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك (جزاءً وفاقاً )
فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن أو اترك
فكما تدين تدان وكما تفعل مع عباده يفعل معك فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى ما أساء إليه هذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعيته الخاصة كما "قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي شكى إليه قرابته وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه فقال: "لا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك" رواه مسلم.(بدائع الفوائد لابن القيم)
أقول معلقاً:
وكأن الذي لا يعفو يقول بلسان حاله أنه خالٍ من الذنوب-والله المستعان