تــأجــيــل الــتــوبــة . . . خــطــأ عــظــيــم . . !!
بسم الله الرحمن الرحيم
من المسلمين هداهم الله من يدرك خطأه، ويعلم حرمة ما يقع فيه،
ولكنه يؤجل التوبة، ويسوف فيها ؛ فمنهم من يؤخرها إلى ما بعد الزواج، أو التخرج،
ومنهم من يؤجلها ريثما تتقدم به السن، إلى غير ذلك من دواعي التأجيل.
وهذا خطأ عظيم ؛ لأن التوبة واجبة على الفور
؛ فأوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على الفور ما لم يقم دليل على جواز تأخيرها.
بل إن تأخير التوبة ذنب يجب أن يستغفر منه.
قال الغزالي - رحمه الله - : " أما وجوبها على الفور فلا يُسْتراب فيه ؛ إذ معرفة كون
المعاصي مهلكاتٍ من نفس الإيمان، وهو واجب على الفور " .
وقال ابن القيم - رحمه الله - : " المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور،
ولا يجوز تأخيرها ؛ فمتى أخّرها عصى بالتأخر، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى،
وهي توبته من تأخير التوبة. وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب
من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة " .
أخرج ابن أبي الدنيا - رحمه الله - في قصر الأمل عن عكرمة - رحمه الله - في قوله - تعالى - :
( وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) [سبأ : 53]
قال : " إذا قيل لهم : توبوا، قالوا : سوف " .
فعلى العبد أن يعجل بالتوبة ؛ لوجوب ذلك ؛ ولئلا تصير المعاصي راناً على قلبه،
وطبعاً لا يقبل المحو، أو أن تعاجله المنية مصراً على ذنبه.
ثم إنَّ تركَ المبادرة للتوبة مدعاة لصعوبتها، وسبب لفعل ذنوب أخرى.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتةٌ سوداءُ في قلبه،
فإذا تاب، ونزع , واستغفر صقل قلبه منها. وإذا زاد زادت حتى يغلف قلبه ؛
فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه
( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [المطففين : 14] " .
قال ابن الجوزي - رحمه الله - :
" يا بطَّال إلى كم تُؤخر التوبة وما أنت في التأخير معذور ؟
إلى متى يقال عنك : مفتون مغرور ؟
يا مسكين !
قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور، أترى مقبول أنت أم مطرود ؟
أترى مواصل أنت أم مهجور ؟
أترى تركبُ النُّجبَ غداً أم أنت على وجهك مجرور ؟
أترى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب القصور "
. وقال - رحمه الله - :
" ما هذه الغفلة وأنتم مستبصرون ؟
ما هذه الرقدة وأنتم مستيقظون ؟
كيف نسيتم الزاد وأنتم راحلون ؟
كم آبَ مَنْ قبلكم ألا تتفكرون ؟
أما رأيتم كيف نازَلهم نازل المنون ؟
فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " .
فكثير من الناس لا تخطر بباله هذه التوبة ؛
فتراه يتوب من الذنوب التي يعلم أنه قد وقع فيها، ولا يظن بعد ذلك أن عليه ذنوباً غيرها.
وهذا من الأخطاء التي تقع في باب التوبة، والتي قلَّ من يتفطن لها ؛
فهناك ذنوب خفية، وهناك ذنوب يجهل العبد أنها ذنوب.
قال ابن القيم - رحمه الله - : " ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة مما يعلم من ذنوبه،
ومما لا يعلم ؛ فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه.
ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكناً من العلم ؛
فإنه عاصٍ بترك العلم والعمل ؛ فالمعصية في حقه أشد " .
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل " .
فقال أبو بكر : فكيف الخلاص منه يا رسول الله ؟ قال : " أن تقول : اللهم إني أعوذ بك
أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم " .
فهذا طلب الاستغفار مما يعلمه الله أنه ذنب، ومما لا يعلمه العبد.
وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه كان يدعو في صلاته : اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت،
وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني ؛ إنك أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت "
وفي الحديث الآخر : " اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجلَّه، وأوله وآخره،
وعلانيته وسره " . فهذا التعميم، وهذا الشمول ؛ لتأتي التوبة على ما علمه العبد
من ذنوبه، وما لم يعلمه. هناك من يرغب في التوبة، ولكنه لا يبادر إليها ؛
مخافة أن يعاود الذنب مرة أخرى.وهذا خطأ ؛
فعلى العبد أن يتوب إلى الله، فلربما أدركه الأجل وهو لم ينقض توبته.
كما عليه أن يحسن ظنه بربه - جل وعلا - ويعلم أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه،
وأنه - تعالى - عند ظن عبده به. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " قال الله - عز وجل - : أنا عند ظن عبدي بي،
وأنا معه حين يذكرني " .
ثم إن على التائب إذا عاد إلى الذنب أن يجدد التوبة مرة أخرى وهكذا...
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه -
عز وجل - قال : " أذنب عبد ذنباً فقال : اللهم اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -
أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقـال :
أيْ ربّ اغفر لـي ذنبي، فقال - تبارك وتعالـى - : عبدي أذنب ذنباً، فعلم أن له ربَّاً يغفر الذنب،
ويأخذ بالذنب، ثم عاد، فأذنب، فقـال : أيْ ربّ اغفر لـي ذنبي، فقال - تبارك وتعالـى - :
أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له ربَّاً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت ؛ فقد غفرت لك " .
قال النووي - رحمه الله - في معنى الحديث : " قوله - عز وجل - للذي تكرر ذنبه :
" اعمل ما شئت ؛ فقد غفرت لك " معناه : ما دمت تذنب، ثم تتوب غفرت لك " .
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
من موقع طريق التوبة