إن النفس بطبعها مستعلية متطاولة على السوء تبحث عما يرضي شهواتها ويوافق هواها ويشبع غرورها ولا تسعى في تحقيق الكمالات وبلوغ العاليات. وإن ازدراء النفس وترويضها وكبح جماحها يزكيها ويصقلها ويهذبها من الأدران و السفاسف. إن أعظم ما يبلغ المرء المعالي ويجعله في مصاف الكبار ازدراء النفس والقدرة على التحكم بميولها ورغباتها واهتماماتها. ومن ازدرى نفسه وضبطها أخلص في عبادته وغمر قلبه بمشهد الإحسان والتأله والافتقار للمولى وأصلح حاله وفاضت روحه بالإحسان للغير وسلم من الكبر والخيلاء. ومن أطلق لنفسه هواها ولم يلجمها بلجام الحكمة والأدب تعالت وتمردت واستعدت عليه كما يستعدي السبح الضاري ولبست لباس الكبرياء والعجب ومنت على المولى في عبادة مهلهلة واستهانت بحقوق الخلق. والنفس إذا تركت بلا زمام تجبرت وقادت صاحبها للمهالك والآثام وأصيبت بداء العظمة وصارت تقود الإنسان كما يقاد العبد الذليل المقيد. والشديد من ملك نفسه في الغضب فلم يتعد حدود الله وملك نفسه في الفرح فلم يأمن مكر الله وملك نفسه في الحزن فلم يتسخط لقدر الله وملك نفسه في الخوف فلم يقنط من رحمة الله. والنفس لها أحوال تارة تقبل وتارة تدبر والحكيم من راعى ذلك وساسها حسب الحال والعمل والعاقبة فإذا أقبلت على الشهوات زجرها وخوفها وإذا أدبرت عن الطاعات رغبها وحفزها. ومن روض نفسه على الطاعة وقسرها على ذلك ذاق المرارة في أول الوقت ثم صارت كالشهد بلسما لروحه وحياة لقبله ونعيما لفؤاده بها تطيب حياته وبدونها تشقى.