يخطيء كثير من الناس عندما يظنون ان ( المناهج) تعني مايدرسه الطلاب على مقاعد الدراسة من مواد دراسية مشمولة بكتب مدرسية توزع على الطلاب في بداية السنة الدراسية. أن مفهوم ( المناهج) اوسع بكثير من ذلك حتى أن علماء هذا العلم لم يتفقوا على تعريف معين لها. لكن مع ذلك فهم يتفقون على المناهج اوسع من أن تحصر في نطاق ضيق من التعليم ، بل على العكس من ذلك بأن المناهج تشمل كل - لاحظ- كل شي يتصل بالعملية التعليمية ، سواء كان ذلك الاتصال اتصالاً مباشراً او غير مباشر. ولنتعرف الآن على شي مما قاله علماء هذا العلم في تعريفهم له.
ماهي المناهج:
سؤال ربما يرد على اذاهان الكثيرمنا عندما تذكر " المناهج " . إن مصطلح (منهج) ، شأنه شأن الكثير من كلمات الإنجليزية، له معان أو استمعالات مختلفة كثيرة. وهذه الاستخدامات المختلفة توجد حتى في كثير من كتابات التربويين المختصين بالمناهج حتى إنه ليصعب التوفيق بين هذه الاستعمالات المختلفة التي تبدو في كتاباتهم.
وبالرغم من أن اولئك المختصين قد حاولوا في سبيل الوضوح أن يحددوا حدودا تقيد معنى كلمة" منهج" إلا أنهم لا زالوا غير متفقين بشأن الاشياء او الاسس التي تؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة تعريفات لهذة الكلمة تستند إلى قدر من الشرعية والمصداقية.
حيث يرى هنسون :
إن مصطلح منهج أتى أصلا من كلمة لاتينية تعني ميدان أو حلبة السباق، لكن عندما تستخدم هذه الكلمة في التربية فإنها بلا ريب تأخذ معنى ودلالة مختلفان. بيد أنه تبعا للصورة التقليدية التي كانت سائدة في أذهان كثير من الناس، فإن هذه الكلمة كانت تعني قائمة بالمقررات الدراسية التي يدرسها الطلاب. ولكن مع مرور الزمن ، توسع هذا التعريف متخذا عدة معان إضافية. وبالرغم من ذلك فإنه يمكن القول بأن مطوري المناهج الذين لديهم رؤية واضحة جلية لهذه المعاني المتعددة فإنه بمقدورهم أن يقوموا بنطاق أوسع من الانشطة لتطوير المناهج -وألأنشطة المتعلقة - أكثر من اولئك الذين تعوزهم النظرة الجلية لتعريفات المنهج المتعددة خاصة في المجالات التربوية.
ويعرف تابا المنهج بأنه (خطة للتعلم):
ويستأنف مفسرا بقوله: يحتوي المنهج في العادة على قائمة بالأهداف العامة والخاصة له، كما أنه يحتوي على كلام عن كيفية اختيار وتنظيم المحتوى الذي فيه، وهو كذلك إما أن يشير ضمنا او يتحدث صراحة عن طرق تدريسية وتعليمية معينة سواء حتم ذلك طبيعة الاهداف أم طريقة تنطيم المحتوى. وفي نهايته نجد برنامجا لتقييم نتائجه أو مخرجاته التعليمية (أي إلى أي مدى تحققت الاهداف المرجوة منه؟).
المنهج كبرنامج للدراسة
في بدايه استخدام هذا المصطلح في التعليم الامريكي، كان (المنهج) يعني برنامجا للدراسة. فمثلا ،
Zais (1979) يقرر لنا إنه عندما يُطلب من الشخص العادي أن يصف منهجا ما فإنه على الأغلب سيذكر لنا قائمة من المواد أو المقررات الدراسية. هذا المفهوم للمنهج منتشر في كثير من أدلة الدراسة في شتى الجامعات والكليات، والتي كثيرا ما تذكر مجموعة من المقررات التي تُدرّس في أي برنامج دراسي من البرامج المتوفرة بالجامعة أو الكلية.
المنهج كوثيقة:
بعض التربويين يعرفون المنهج حسبما يقتضي الغرض منه، والذي هو تحسين التعليم بالدرجة الأولى. فعلى سبيل المثال، نجد أن جيمس مكدونالد قد عرف المنهج على أنه " مهام/إجراءات مخططة أو معدة مسبقا لغرض التعليم"
بينما يرى فوشي إن مثل هذا التعريف يتضمن أن المنهج هو مجرد وثيقة. لأننا نرى مثلا أنه عندما يقوم مجموعة معتبرة من الناس بزيارة ميدانية لمدرسة أو معهد معين، فإن بعض أعضاء هذه المجموعة ربما يرغب الاطلاع على منهج مادة العلوم مثلا.، وهوعندما يبدي هذه الرغبة فإنه يتوقع من مدير المدرسة أن يريه ورقة رسمية تشرح أو تفصل (منهج) أو برنامج مادة العلوم في تلك المدرسة.
المنهج كتجارب أو خبرات مخططة:
وأما بالنسبة لفريق آخر من التربويين، فإن مصطلح المنهج يعني لديهم التجارب أو الخبرات المخططة او المعدة للمدرسة. فمثلا نجد أن ألكسساندر (1966) يفرق بين الواقع الحقيقي للانشطة التعليمية في المدرسة وبين ما هو مخطط أو مفترض أصلا أن تقوم به من أنشطة. ولنا أن نتأمل القول بأن" المنهج ينتظم كل الفرص التعليمية التي تقدمها المدرسة" مقابل القول بأن"خطة المنهج هي الإعداد والتنسيق المسبق للفرص التعليمية المقدمة لشريحة معينة من المتعلمين" . كذلك نجد أن كلا (Saylor) و(Alexander) يقولان بان دليل المنهج هو خطة مكتوبة للمنهج.
كما يرى نفس هذه الرؤية جمع آخر من التربويين بان المنهج هو مجموعة من الخبرات. ومن هذا الفريق نجد
(Smith, Stanley, & Shores) الذين يرون أن المنهج عبارة عن مجموعة متوالية من الخبرات الممكن تحصيلها والتي أعدتها المدرسة سلفا لغرض تعليم الطلاب طرق التفكير والعمل الجماعي.
بينما يرى (Caswell & Campell) أن المنهج هو كل الخبرات التي يحصل عليها الطلاب مع إرشاد المعلم لهم.
ويمكن – عزيزي القارئ- ان نصل الى خاتمة تعريف المنهج كما وصفها (Doll, 1989) بان المنهج الان قد أصبح يعني بصورة عامة كل الخبرات التي يتلقاها الطلاب تحت رعاية المدرسة.
وعموما فان في أوسع استخدام لهذا المصطلح، فإن (المنهج) يستخدم بصورة اعتيادية من قبل المختصين بالمناهج على طريقتين: الأولى : ليشيروا بصورة عامة إلى خطة لتعليم الطلاب، والثانية : ليعنوا به برنامجا أو مجالا معينا للدراسة. فالمنهج بوصفه خطة لتعليم الطلاب غالبا ما يشار له بكلمة (المنهج) على الإطلاق. لكن في الوقت الراهن، لا يزال هناك خلاف بين المختصين فيما يتعلق بمكونات تلك الخطة. وعلى أية حال فان المنهج كخطة تعليمية للطلاب يعتبر جزءا لا يتجزا من محتوى ذلك المجال الأوسع المسمى ( المنهج). أن المنهج بوصفة مجالاللدراسة، شأنه شأن معظم التخصصات الأخرى، يتحدد ببعض المعايير فمنها:
أ - نطاق المواضيع التي يهتم بها (أي البنية الجوهرية للمنهج)
ب - طرق البحث والممارسة التي يتبعها (أي البنية التنظيمية التي يتبعها).
تطور هذا المجال حتى أصبح علما مستقلا بذاته:
لقد كان المنهج هاجسا للكثير من العلماء والكتـّاب على مر القرون. فعلى سبيل المثال نجد أن كلا من افلاطون (في القرن الرابع قبل الميلاد) و كومينيوس (في القرن السابع عشر) و فرويبل (في القرن التاسع عشر) قد أولوا المنهج ومشاكله قدرا من اهتمامهم ودرسهم. لكن الدراسة المركزة المتخصصة في المنهج وجوانبه
المتعددة وظهور علماء متخصصيين بالمنهج والنواحي المرتبطة به-- كل هذا لم يبدأفي الحقيقة إلا في القرن العشرين.. (Kliebard 1968, p. 70)
علم المنهج له معالم وأصول واضحة في اتجاه تربوي عرف باسم الحركة (الهربارتية) التي برزت في أواخر القرن التاسع عشر(Seguel 1966, p. 7 ff) . وهذه المدرسة التربوية تنسب إلى الفيلسوف الألماني جون فريدريش هربارت (1776-1841) الذي لقيت أفكاره وطروحاته التربوية رواجا وقبولا واسعا في الولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وفي خلال الفترة بين 1890 وأوائل القرن العشرين ظهرت تطورات تربوية بارزة لفتت الانتباه إلى قضايا المنهج. فأول هذه التطورات أن (لجنة العشرة) تحت رئاسة مدير جامعة هارفارد تشارلز إليوت أصدرت تقريرها المشهور سنة 1893. وهذا التقريرتناول أمورا تعليمية و مدرسية شتى مثل المقررات المتطلبة أو الإجبارية علىالطلبة، والمقررات الاختيارية، والمقررات التحضيرية للمرحلة الجامعية، إضافةإلى المقررات العملية. وفي عام 1895 تأسست جمعية هربارت والتي تسمى الآن الجمعية الوطنية لبحوث التربية. وفي العقدين التاليين ، لم يالُ كثير من التربويين جهدا في توجيه الاهتمام العام إلى دراسة محتويات المنهج وجوانبه المختلفة، لكن لم يظهر علماء متخصصون في هذا المجال إلا في وقت لاحق لهذاالتاريخ، أي في القرن العشرين كما أسلفنا أعلاه.
وعلى الرغم من ذلك الاهتمام المنصب على المنهج في تلك الأيام – بداية القرن الماضي- إلا أنه من بين هؤلاء المهتمين بالمنهج لم يكن هناك من عرفوا كـعلماء مختصين (بالمنهج)، وبالمثل لم يكن هناك تخصص علمي أو أكاديمي يـُعنى بدراسة المناهج بالدرجة الأولى. واستمرت هذه الحال حتى عام 1918 عندما ظهر أول كتاب مختص بالمناهج من تأليف (فرانكلين بوبيت)، معنون بـ (المنهج). ويعتبر هذا الكتاب معلماً يحدد بداية ظهور علم المناهج كعلم وتخصص مستقل بذاته.
لقد شهدت عشرينيات القرن الماضي فترة تكـوّن هذا العلم كتخصص وتشكله بصورته المستقلة. فخلال تلك الفترة ، وبعد نشر كتاب (بوبيت) أعلاه، ظهر العديد من الكتب التي كرست لدراسة المنهج ألفت من قِبل مؤلفين ومنظرين تربويين كانوا وقتها ينظر إليهم كمختصين بالمنهج. فعلى سبيل المثال، قام دبليو تشارلز من جامعة أوهايو بنشر كتابه (بناء المناهج) في عام 1923. وفي السنة التالية، ظهر كتاب مهم عنوانه (كيف تعد منهجا) لمولفه (بوبيت) ، الكاتب السالف الذكر. وفي عام 1926 نشرت الجمعية الوطنية لدراسة التربية (أوالجمعية الوطنية لبحوث التربية والتعليم) كتابا من 685 صفحة يستعرض الحركة المنهجية المعاصرة في ذلك الوقت، وقد عنون ذلك الكتاب بـ (بناء المناهج : الأسس والطرائق ) . إن ذلك الكتاب المكون من جزئين رئيسين تم إعداده من قبل لجنة بارزة من (علماء المناهج) والتي ضمت في عدادها فرانكلين بوبيت، ودبليو تشارترز، و تشارلز جود، وتحت رئاسة هارولد راج. (Frabklin Bobbitt, W. Charters, and Harold Rugg).
وخلال تلك الفترة ، تميز بروز (المناهج) كعلم مستقل بذاته بعدة مستجدات أخرى. فعلى سبيل المثال قام عدد متزايد من الإدارات التعليمية بإعادة النظر في مناهجها ومراجعتها. ففي عام 1922 مثلا، بدأت مدينة دنفر في كولورادو مشروعا موسعا لتحسين المناهج في منطقتها التعليمية، وبالمثل في سنة 1925 قامت مدينة سانت لويس بما اعتبر أكبر واشمل مشروع لتحسين المناهج وتطويرها على مستوى الولايات المتحدة، حيث اشترك في هذا البرنامج مئات المعلمين إضافة إلى عدد كبير من علماء المناهج. وبالطبع ، كانت مثل هذه البرامج التحسينية الموسعة شيئا جديدا لا مثيل له في النظام التعليمي في ذلك الوقت.
ومن المظاهر الاخرى لتزايد الاهتمام بعلم المناهج هو تأسيس معامل جامعية لدارستها، إذ أنه بعد أن قامت كلية التربية بجامعة كولومبيا بافتتاح أول معمل فيها لدراسة المناهج، تابعتها كليات وأقسام تربوية أخرى بإنشاء معامل مماثلة.
كما شهدت ثلاثينيات القرن تطورات أخرى أسهمت في تعزيز مكانة ا(المناهج) كعلم مستقل بذاته. فعلى مستوى الولايات المتحدة كلها، أصبحت الإدارت التعليمية أكثر وعيا و اهتماما بعملية تحسين المناهج وتطويرها عما هي عليه في ذلك الوقت.، وعلى إثر ذلك الوعي بدأت تلك الإدارات بتنفيذ برامج لذاك الغرض. وكذلك قامت الجامعات بافتتاح أقسام أكاديمية متخصصة بالمناهج لما أحس القائمون عليها بهذه الهالة التربوية التي اتسمت بها (المناهج) في تلك الفترة. ومن تلك الأقسام، يعتبر قسم (المناهج وطرق التدريس) في كلية التربية – جامعة كولومبيا اشهر الأقسام التي افتتحت لهذا الغرض في ذلك الوقت. كما تلى ذلك تأسيس ما عرف بـ(رابطة تطوير المناهج والإشراف عليها) والتي أصبحت المنتدى العلمي والمهني لمختصي المناهج والعاملين فيها على مستوى الولايات المتحدة
منقول للفائدة