السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصبر فضيلة العمر وفريضة الدهر إلا أن فضله يتضاعف وفرضه يتأكد في شهر الصيام
لأنه شهر الصبر الذي يصبر المرء نفسه فيه على الإمساك عن المفطرات مادة ومعنى .
وهو الشهر الذي يثبت الطائعون فيه أن صبرهم لله هو ثباتهم معه على حكمه فلا تزيغ قلوبهم
عن الإنابة ولا جوارحهم عن الطاعة
والصبر قسمان :
مـحـمـود
ومـذمـوم ،
جاء الحديث عنهما في القرآن في نحو تسعين موضـعآ فالصبر المحمود أنواع
من صبر على طاعة الله عز وجل
ومنه صبر عن معاصيه
ومنه صبر على أقداره
سبحانه وتعالى -
والصبر على الطاعات مع الصبر عن المحرمات أفضل من الصبر على الاقدار المؤلمه ؟ التي يظن كثير من الناس أن الصبر منحصر فيها .
وصبر النفس على الطاعة وصبرها على المعصية مع الصبرعلى ما يؤلم بجتمع كله في الصوم ولهذا استحق شهر رمضان أن يوصف بشهر الصبر
كما سـماه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله :
( صـم شــهر الـصــبر وثــلاثــة أيــام مــن كــل شـهــر صــوم الـدهــر).
ففيه صبر على طاعة الله من صيام وقيام وتلاوة وذكر ودعاء وفيه صبر عن معاصي القلب والجوارح بترك ما قد تشتهيه النفس لأجــل الله تعالى
وفيه أيضآ صبر على الأقدار المؤلمه بما يحصل للصائم طبيعية من تألم من أثر الجوع والعطش .
أما الصبر المذموم فهو الصبر عن محاب الله والصبر على مـساخطه ومعاصيه وهذا هوما يتنافى مع الصيام
حيث يقتل روحه ويذهب ضياءه .
إن الصبر الذي نعد أنفسنا ونعودها عليه في رمضان هو قبس مضيء للنفس وقوة ماضية في البدن
وأجمل ما في الصوم أنه درب النفس على ألوان الصبر كلها والنفس البشرية تستجيب لذلك التعويد وتتدرب عليه بالمران حتى يصير طبيعة
فالصبر بالتصبر وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم :
(من يـسـتـعفف يـعـفه الله ، ومن يـتـصـبـر يـصـبـره الله ، ومـن يـسـتـغــن يـغـنـيـه الله، ولـن تـعـطوا عـطـاء خـيـرآ وأوسـع من الـصـبر)
إن حاجاتنا إلى الصبر في هـذا العـصر تتضاعف أضعافآ كثيرة عن حاجة الناس في العصور قبلنا
وكذلك بسبب هجمة الفتن التي تتقلب بين فتن الضــراء وفتن الـسـراء ، وكلاهما يحتاج إلى الصبر بأنواعه الثلاثة ،
صبر على طاعه الله
صبر عن معصيه الله
صبر على الاقدار المؤلمة .
فالأيام التي نعيشها هي - والله أعلم - أيام الصبر التي قال عنها
النبي صلى الله عليه وسلم :
(إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل القـبض على الجـمـر، للعامل فيهن أجـر خمسين رجلآ يعملون مثل عملـكم )
فتامؤمن في هذ العصر محتاج أشد الاحتياج إلى مضاعفة قدراته على الصبر
مستعينآ بالله في ذلم حتى يستطيع أن يواجه صروف الدهر وتقلبات زمن الغرابة
الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم :
(يأتي على الناس زمــان الصابر قيهم على دينه كالقابض على الجمر )
وهو لن يستطيع أن يقبض على الجمر . يعني حقوق الدين - إلا بالاستعانه بالله وبالصلاة
قال الله تعالى .
{واسـتـعـيـنـوا بـالـصـبر والـصـلاة وإنـهـا لـكـبـيـرة إلأ على الخاشـعين} البقرة 45 .
العصر الذي نعيشه مليء بالعقبات والتحديات التي يوجهنا بها الأعداء ويصابرونا عليها ، ولا مناص
قال الله تعالى :
{يا أيها الذين آمنو اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}
(ال عمران200)
{إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يـرجون}
(النساء 104)
فالفلاح في مواجهة الخصوم يتوجب استدعاء كل طاقات الـصـبر والمصابرة
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
(إن النصر مع الصبر)
فالصبر عدة تسبق كل إعداد وتستمر بعد كل إعداد لأنه إعداد للنفس
وإعداد النفس هو أكبر وأخطر وأجل أنواع الأعداد وهو يقوم على التقوى والصبر
قال - تعالى :
{ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنـمـا يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }
(الزمر 10)
الصبر ينير القلب ويضيء الفؤاد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(والصبر ضياء)
أي نور القلب بمايحصل فيه من حرارة منيرة تشبه ضوء الشمس المطهر بخلاف القمر فأنه نور بلا حرارة
وقد دل القرآن في قول الله تعالى :
{ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورآ}
(يونس 5)
فمناسبة وصف الصبر بالضياء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
أن فيه حرارة المعاناة ومشقة المجاهدة بحبس النفس وكفها عما تهواه وهذا يتوافق مع معنى الصبر في اللغة
فأنه يعني الحبس ومنه القتل صبرآ وهو أن يحبس الرجل حتى يموت